مواقع التواصل الاجتماعي .. إيجابياتها وسلبياتها وما هو الاستخدام الصحيح لها؟

منذ أن وضَع "راندي كونرادز" الركيزة الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي حينما أسَّس أول موقع للتواصُل مع أصدقائه وزملائه في الدراسة، وأطلق عليه اسم "classmates.com"، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أهمَّ ما يقصده الشباب على الشبكة العنكبوتية منذ تأسيسها، وأحدثَت ثورة وطفرة كبيرة في عالم الاتصال؛ حيث تُتيح للفرد أن يتواصل مع أقرانه في كل أنحاء العالم، ولكن ثَمَّة تأثيرات تتركها تلك المواقع في الشباب بعد أن اعتادوا عليها، تتلخَّص تلك التأثيرات في الناحية الاجتماعية والإعلامية والدينيَّة، ولتلك المواقع في كل جانب من تلك الجوانب تأثيراتٌ إيجابية وسلبية على مُستخدمي تلك المواقع.
سلبياتها الاجتماعية أكثر من إيجابياتها:
يقول الدكتور "أحمد عبدالرؤوف" أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان: لمواقع التواصُل من الناحية الاجتماعية فوائدُ كثيرة جدًّا، تكمُن في استمرار التواصُل بين مستخدمي هذه المواقع مع بعضهم البعض، وذلك من شأنه أن يزيد من الترابط ومِن قوة العلاقات بين المجتمع، فلتلك المواقع إيجابيات عديدة، منها: تبادُل الآراء بين المُستخدمين بعضهم البعض، والتعرُّف على ثقافات الشعوب الأخرى، فضلاً عن أنها وسيلة عابرة للحدود للتواصُل بين الأشخاص، فتُتيح للفرد تكوين صداقات مِن دول أخرى، كما أنها وسيلة لمُمارسة الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تَهدف إلى التقارب بين الأفراد، وتُسهِّل عملية التواصُل مع الآخرين، وقد تمَّ استِخدامها مؤخَّرًا في التجهيز للثورات الشعبية التي تهدف إلى إسقاط أنظمة طاغية ومُستبدَّة، وتحظى برفض شعبي يجعل الشباب يُفكِّرون في الإطاحة بها عن طريق الحشد، من خلال إرسال دعوات للنزول إلى الميادين العامة والتظاهُر بها؛ مثلما حدث في ثورة تونس ومصر واليمن وسوريا.
 
ويُضيف: ولكن لها سلبيات كثيرة أيضًا، ويمكن أن تطغى سلبياتها على إيجابياتها من الناحية التربوية والمسؤولية الاجتماعية؛ فمن ضمن هذه السلبيات: كثرة تداول الإشاعات والأخبار المغلوطة؛ نظرًا لعدم اشتراط التأكد من المعلومة قبل نَشرِها، أو نشر مصدر الخبر على تلك المواقع، إضافة إلى غياب الرقابة على ما يُكتَب أو ما يُنشَر في تلك المواقع، فهناك كثير من الشباب يقومون بنشر مواد ليست لها أي أهمية، بل إنها ضارة، وهناك ضرر كبير جدًّا لهذه المواقع، وهو ظهور بعض الألفاظ واللغات الغريبة التي هي مزيج بين العربية والإنجليزية، ويُطلَق عليها "الفرانكو"، ومثل هذه اللغات من شأنها أن تُضعِف مستوى اللغة العربية لدى الأجيال القادمة، وتؤدِّي إلى اندِثار لغتِنا الأصيلة.
 
ويُتابع "عبدالرؤوف": هناك سلبيات أخرى تتعلَّق بعدم تقبُّل الرأي الآخر، والنقاشات الحادة، والمشاحنات بين الشباب على تلك المواقع، وهناك أكبر خطَر لتلك المواقع، وهو إضاعة الشباب للوقت في التنقُّل عبر صفحات تلك المواقع، والتحدُّث في أمور ليس لها قيمة ولا فائدة، وهذا الجانب هو أخطر الجوانب السلبية؛ حيث إن مضيَعة الوقت تأتي بالسلب على المجتمع كله وعلى تقدُّمه، وليس على الشخص فقط، وأخيرًا هذه المواقع أيضًا تؤثِّر على الجانب الأسري؛ حيث يؤدي الدخول عليها إلى العزلة الاجتماعية، وعدم اندِماج الفرد مع أسرته، وغيابه عن مشكلات وهموم الأُسَر وعن المشاركة في المناسَبات الاجتماعية، وما إلى ذلك.
 

يجب استِخدامُها فيما يُرضي الله:
قال الدكتور "محمد الدسوقي" أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الله - تعالى - عندما خلَق البشر أمرهم بالتواصل والتقارب فيما بينهم، ويتضح ذلك في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]، فيجب على المسلمين جميعًا أن يتواصَلوا فيما بينهم؛ لتحقيق الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية والتقريب بنيهم، ولكن يجب ألا يتمَّ استخدام تلك المواقِع فيما يُغضِب الله - تعالى - وفيما يضرُّ بالأمة الإسلامية ولا بالأوطان، فنحن نرى الدولة الغربية تَبذُل قصارى جهدها لتجنيد أبناء الدول العربية للإضرار بأوطانِهم لصالح تلك الدول، كما يجب على المسلمين أن يُدافعوا عن دينهم، ويصدُّوا الهجمات الشرسة التي يقوم بها غير المسلمين لتشويه صورة الإسلام والمسلمين.
 
وأضاف: كما يَجب على الشاب المسلم عندما يدخل إلى تلك المواقع أن يَستحضِر في نيته أنه يدخل للتعارُف مع إخوانه، وليس لتضييع الوقت أو التحدُّث إلى الفتيات مثلما يقع كثير من الشباب للأسف في هذا المَحظور، ويتحدَّثون إلى الفتيات بكل حرية، ظنًّا منهم أن الله - تعالى - لن يُحاسِبهم على ذلك، كما أنه ينبغي أن يتمَّ استخدام تلك المواقع في التقريب بين وجهات النظر المختلفة، والتعرُّض لبعض الثقافات المختلفة؛ لكي ينال الإنسان المسلم قِسطًا من العلم بعلوم ومعارف الغير، والتعرُّض للثقافات الأخرى حتى تعمَّ الفائدة بين الشعوب، ولكن بما يُرضي اللهَ عنه، وبما لا يتسبَّب في مضيعة الوقت بأي حال؛ لأن الوقت أَثْمَنُ من أي شيء.
 
وأكَّد "الدسوقي" أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدَّين، والواجب على الشخص المسلم السوي أن يَستعمِل هذه المواقع التي سخَّرها الله - تعالى - لنا؛ حتى يَكثُر التواصل والتعارف بين الشعوب في الخير، ولا يستعمله إلا للحلال، وأن يتجنَّب الحرام، ويتجنَّب الدخول في خصوصيات الغير، واقتحام الحرية الشخصية لأي شخْص.
 
يجب الابتعاد عن نشر الأخبار الكاذبة:
يقول الدكتور "حسن عماد مكاوي" عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة: تكنولوجيا الاتِّصال الجديدة فتحَت آفاقًا كبيرة جدًّا للفرد لكي يكون مُتفاعلاً، وألا يكون متلقيًا سلبيًّا فقط للرسائل الإعلامية، وإنما يكون أيضًا قائمًا بالاتصال، فيستطيع أن يَبتكِر صحيفته الخاصة ومُدوَّنتَه الخاصة، ويستطيع أن يتواصل مع أشخاص بغضِّ النظر عن الزمان أو المكان، كما أنها أتاحَت للمواطنين أن يكون لديهم القدرة على أن يُعبِّروا عن ذاتهم ومجتمعِهم وقضاياهم بطريقة غير مسبوقة تتجاوَز وسائل الإعلام بمجالاتها التقليدية وحتى مجالاتها الحديثة التي انتهَت بعصر التلفزيون.
 
ويُضيف: نستطيع أن نقول: إننا في مرحلة الإنترنت، وخاصة بعد الجيل الثاني من الإنترنت، والذي بدأ في عام 2004 التي أصبح الفرد بعدها ليس فقط لديه القدرة على التعاطي من الإنترنت أو الاستفادة منه، إنما أصبحَت لديه القدرة على أن يُقدِّم ما لديه، وأن يتواصل مع العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم، كما لعبَت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا جدًّا في قيام ثورة 25 يناير، كما أنها تغلَّبت على كل أساليب وأشكال الرقابة من الناحية التقنيَّة.
 
ويوضِّح "مكاوي" أنه بالنسبة للإيجابيات، فهذه المواقع كلما زاد عدد روادها زادت سرعة تداول الأخبار والمعلومات فيما بينهم بشكل لحظي، ويؤدي إلى مشاركة أكبر عدد مُمكن في تبادُل المعلومات وتبادل المعارف، فهذا جانب إيجابيٌّ لم يكن ليتحقَّق لولا وجود مثل هذه المواقع، والجانب السلبي للأسف أن معظم المعلومات التي تُبثُّ عبر تلك المواقع هي معلومات غير محقَّقة، فأنا مثلما أنه متاح لي أن أنشر المعلومة الصادقة فيُمكِنني أيضًا - وبسهولة - أن أنشر الشائعة أو المعلومة المغلوطة، ويترتَّب على ذلك إحداث البلبلة، وعدم المصداقية.
 

تعليقات

  1. أتوقع انه حتى يتم الاستفادة الفاعلة من الشبكات الاجتماعية في التواصل مع الجمهور، وخاصة مع جيل التقنية شباب الغد أنه يتم تركيز المؤسسات الأهلية والشبابية على تدريب الشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة لاستخدام وسائل الإعلام الجديد. وتدريب الشباب على مهارات الاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والشبكات الإلكترونية خاصة في قضايا مطلبية محددة للتعميق الشبابي والتعبئة من أجل التغيير.

    ردحذف

إرسال تعليق